الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **
- الحديث الأول: روى عن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ - أنه استسقى، ولم يرو عنه الصلاة [يعني في ذلك الاستسقاء، فلا يرد أنه غير صحيح، كما قال الإِمام الحافظ الزيلعي، المخرج، ولو تعدى نظره إلى سطر، حتى رأى قوله في جوابهما، قلنا: فعله مرة، وتركه أخرى، فلم يكن سنة، لم يحمله على النفي مطلقًا. وإنما يكون سنة ما واظب عليه، كذا في "فتح القدير" ص 437 - ج 1] قلت: أما استسقاءه عليه السلام، فصحيح ثابت، وأما إنه لم يرو عنه الصلاة، فهذا غير صحيح، بل صح أنه صلى فيه، كما سيأتي، وليس في الحديث أنه استسقى، ولم يصل، بل غاية ما يوجد ذكر الاستسقاء دون ذكر الصلاة، ولا يلزم من عدم ذكر الشيء عدم وقوعه، فهذا كما رد على الشافعي في إيجابه العمرة، بأن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ [أخرج البخاري في "أول المناسك" ص 205 حديث الخثعمية، من رواية ابن عباس رضي اللّه عنه.] أمر الخثعميَّة أن تقضي الحج عن أبيها، ولم يأمرها بقضاء العمرة عنه، فأجاب البيهقي رحمه اللّه، بأن الحديث قد يكون فيه ذكر العمرة، ولكن حفظ الراوي بعضه ونسي بعضه، أو حفظه كله، ولكن أدى البعض، وترك البعض، يقع ذلك بحسب السؤال والحاجة، واللّه أعلم، فما ذكر فيه الاستسقاء دون الصلاة، ما أخرجه البخاري. ومسلم [البخاري في "باب الاستسقاء في خطبة الجمعة" ص 238، ومسلم في "الاستسقاء" ص 293] عن شريك بن عبد اللّه بن أبي نمر عن أنس أن رجلًا دخل المسجد في يوم جمعة، ورسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قائم يخطب، فقال: يا رسول اللّه، هلكت الأموال، وانقطعت السُّبُل، فادع اللّه يغثنا [في نسخة "يغيثنا".]، قال: فرفع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يديه، ثم قال: اللّهم أغثنا. اللّهم أغثنا. اللّهم أغثنا، قال أنس: فلا واللّه ما نرى في السماء، من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت، فلم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى، قال: ثم جاء رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قائم يخطب، فاستقبله قائمًا. فقال: يا رسول اللّه هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع اللّه يمسكها عنا، قال: فرفع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يديه، ثم قال: "اللّهم حوالينا ولا علينا، اللّهم على الآكام. والظراب. وبطون الأودية. ومنابت الشجر"، قال: فانقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك: فسألت أنس بن مالك، أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري، انتهى. وفي لفظ للبخاري [في "باب الاستسقاء على المنبر" ص 138.]، فقام إليه ذلك الرجل. أو غيره، وفي لفظ [عند البخاري في "باب رفع الناس أيديهم مع الإِمام" ص 140.]: ثم جاء الرجل، فقال: يا رسول اللّه بشق المسافر، ومنع الطريق، وفي لفظ [عند البخاري في "باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء" ص 138]: ثم جاء، فقال: تهدمت البيوت، وفي هذين اللفظين، أن القائل رجل واحد، وفيما تقدم شك وتردد، ومما ورد فيه ذكر الصلاة مع الاستسقاء، ما أخرجه الأئمة الستة [البخاري في "الاستسقاء" ص 137، ومسلم فيه: ص 293، وأبو داود فيه: ص 171، والنسائي فيه: ص 224، والترمذي: ص 72، كأن اللفظ له، وابن ماجه: ص 91.] عن عباد بن تميم عن عمه عبد اللّه بن زيد بن عاصم أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ خرج بالناس يستسقي، فصلى بهم ركعتين، حوَّل رداءه، ورفع يديه، فدعى واستسقى، واستقبل القبلة، انتهى. زاد البخاري [البخاري في "باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء" ص 139، والنسائي: ص 224، وأبو داود: ص 171، والترمذي: ص 72]: فيه جهر فيهما بالقراءة، وليس هذا عند مسلم. - الحديث الثاني: روى ابن عباس - أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ صلى في الاستسقاء ركعتين، كصلاة العيد، قلت: أخرجه أصحاب السنن الأربعة [أبو داود في "الاستسقاء" ص 172، والنسائي في "باب كيف صلاة الاستسقاء" ص 226، والترمذي في "الاستسقاء" ص 73، وابن ماجه فيه: ص 91، والحاكم في "المستدرك" ص 327، والطحاوي: ص 191] عن إسحاق بن عبد اللّه بن كنانة، قال: أرسلني الوليد بن عتبة - وكان أمير المدينة - إلى ابن عباس أسأله عن استسقاء رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال: خرج رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ مبتذلًا متواضعًا متضرعًا، حتى أتى المصلى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير. وصلى ركعتين، كما كان يصلي في العيد، انتهى. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه الحاكم في "المستدرك"، وسكت عنه، قال المنذري في "مختصره" [وقال الحافظ في "الدراية": وقلت: وهم من زعم أن إسحاق لم يسمع من ابن عباس، اهـ]: رواية إسحاق بن عبد اللّه بن كنانة عن ابن عباس. وأبي هريرة مرسلة، انتهى. ورواه ابن حبان في "صحيحه" [والحاكم في "المستدرك" ص 326، سواء بسواء، والنسائي في "باب كيف صلاة الاستسقاء" ص 326، وكذا الدارقطني: ص 189] في النوع الرابع، من القسم الخامس، من حديث هشام بن عبد اللّه بن كنانة عن أبيه، قال: أرسلني أمير من الأمراء إلى ابن عباس أسأله عن صلاة الاستسقاء، الحديث، وهكذا في لفظ للنسائي. وهشام، هو: ابن إسحاق بن عبد اللّه بن كنانة، فنسبه بجده، وترك أسم أبيه، فإن الباقين، قالوا: عن هشام بن إسحاق بن عبد اللّه بن كنانة عن أبيه، قال: أرسلني، الحديث. - حديث آخر: أخرجه الأئمة الستة في "كتبهم" [البخاري في "باب تحويل الرداء" ص 137، ومسلم: ص 293.] عن عباد بن تميم عن عمه عبد اللّه بن زيد، قال: خرج رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ. إلى المصلى، فاستسقى، واستقبل القبلة، وقلب، وفي لفظ لهما: وحول رداءه، وصلى ركعتين، انتهى. قال البخاري في "صحيحه": كان ابن عيينة، يقول: عبد اللّه بن زيد هذا ابن عبد ربه - صاحب الأذان - وهو وهم منه، بل هو عبد اللّه بن زيد ابن عاصم المازني، والأول كوفي، انتهى. وزاد البخاري في "صحيحه" في هذا الحديث: جهر فيهما بالقراءة. واعلم أن المصنف رحمه اللّه، لو اقتصر على قوله: صلى في الاستسقاء ركعتين لكان أولى، لأن الشافعي رحمه اللّه احتج بقوله: كصلاة العيد على أنه يكبر فيها تكبير التشريق، على أنه قد جاء مصرحًا به في حديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" [ص 326، والدارقطني: ص 189، والبيهقي: ص 348 - ج 3.]. والدارقطني، ثم البيهقي في "السنن" عن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن طلحة، قال: أرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سُنَّة الاستسقاء، فقال: سُنَّة الاستسقاء سنَّة الصلاة في العيدين، إلا أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قلب رداءه، فجعل يمينه على يساره، ويساره على يمينه، وصلى ركعتين، كبر في الأولى سبع تكبيرات، وقرأ "بسبح اسم ربك الأعلى"، وقرأ في الثانية - حديث آخر: وروى فيه أيضًا، حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة حدثنا أبي حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عبيد اللّه بن أخي الزهري عن عمه عن كثير بن العباس، أن عبد اللّه بن عباس كان يحدث عن صلاة النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ الكسوف، قال: لم يزد على ركعتين مثل صلاة الصبح، انتهى. - الحديث الثالث: روى أنه عليه السلام - خطب في الاستسقاء، قلت: ما أخرجه ابن ماجه في "سننه" [ابن ماجه في "باب ما جاء في صلاة الاستسقاء" ص 91، والبيهقي: ص 347 - ج 3، والطحاوي: ص 192.] عن النعمان بن راشد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، قال: خرج رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يومًا يستسقي، فصلى بنا ركعتين بلا أذان، ولا إقامة، ثم خطبنا، ودعا اللّه، وحول وجهه نحو القبلة، رافعًا يديه، ثم قلب رداءه، فجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن، انتهى. ورواه البيهقي في "سننه"، وقال: تفرد به النعمان بن راشد عن الزهري، انتهى. قال البخاري: هو صدوق، لكن في حديثه وهم كبير، انتهى. - حديث آخر: روى أحمد في "مسنده" [ص 41 - ج 4، والدارقطني: ص 189.] من طريق مالك عن عبد اللّه بن بكر عن عباد ابن تميم عن عمه عبد اللّه بن زيد، قال: خرج رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يستسقي، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم استقبل القبلة، فدعى، فلما أراد أن يدعو أقبل بوجهه إلى القبلة، وحوَّل رداءه، انتهى. وأخرجه الدارقطني في "سننه" عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد اللّه بن أبي بكر به، بلفظ: فخطب الناس، ثم استقبل القبلة، إلى آخره. - حديث آخر: أخرجه أبو داود في "سننه" [أبو داود في "باب رفع اليدين في الاستسقاء" ص 172، والحاكم في "المستدرك" ص 328] عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قالت: شكى الناس إلى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قحوط المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى، ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ حين بدأ حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر، وحمد اللّه عز وجل، ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم اللّه سبحانه أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: - الحديث الرابع: روى أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ - استقبل القبلة، وحوَّل رداءه، قلت: تقدم في حديث عبد اللّه بن زيد: فاستسقى، وحوَّل رداءه، رواه الأئمة الستة، وفي لفظ للبخاري. ومسلم: وقلب رداءه، وللبخاري [البخاري في "باب الاستسقاء في المصلى" ص 140، وأحمد: ص 40 - ج 4] عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال جعل اليمين على الشمال، وفي لفظه لأحمد في "مسنده" [أحمد: ص 41 - ج 4.]: وحوَّل رداءه، فقلبه ظهرًا لبطن، وعند أبي داود [أبو داود في "باب صلاة الاستسقاء" الأيمن.]، قال: استسقى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها، فيجعله أعلاها، فلما ثقلت، قلبها على عاتقه، وزاد أحمد [أحمد: ص 41 - ج 4.] وتحوّل الناس معه، قال الحاكم: على شرط مسلم، وهذا اللفظ فيه الجمع بين الروايات، لأن القلب غير التحويل، ولكن الثوب إذا كان له طرفان، كالكساء. ونحوه، يمكن فيه الجمع بين القلب، والتحويل، واللّه أعلم. وقول المصنف رحمه اللّه: ولا يقلب القوم أرديتهم، لأن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لم ينقل عنه [راجع "فتح القدير" ص 440 - ج 1، فإن لصاحبه على الحافظ المخرج مؤاخذة، وليست بصحيحة، واللّه أعلم] أنه أمرهم بذلك، مشكل، لأن عدم النقل ليس دليلًا على عدم الوقوع، وأيضًا فالقوم قد حوَّلوا بحضرته عليه الصلاة والسلام، ولم ينكر عليهم، وتقرير الشارع حكم، كما ورد في "مسند أحمد" [ص 41 - ج 4.] في حديث عبد اللّه بن زيد، أنه عليه السلام حوَّل رداءه، فقلبه ظهرًا لبطن، وتحوَّل الناس معه.فائدة: ذكر العلماء أن تحويل الرداء من النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان تفاؤلًا، لأنه انتقال من هيئة إلى هيئة، وتحول من شيء إلى شيء، ليكون ذلك علامة لانتقالهم من الجدب إلى الخصب، وتحولهم من الشدة إلى الرخاء، قلت: قد جاء ذلك مصرحًا به في "مستدرك الحاكم" [المستدرك" ص 326 - ج 1، والدارقطني عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا: ص 189.] من حديث جابر، وصححه، وفيه: وحوَّل رداءه، ليتحول القحط، وكذلك رواه الدارقطني في "سننه" وفي الطوالات - للطبراني - من حديث أنس، ولكن قلب رداءه، لكي ينقلب القحط إلى الخصب، وفي "مسند" إسحاق بن راهويه [وفي "مسند أحمد" ص 41 - ج 1، قال أبو عبد الرحمن: قلب الرداء حتى تحوّل السنة، ويصير الغلاء رخصًا، اهـ.] لتتحول السنة من الجدب إلى الخصب، ذكره من قول وكيع.
|